متابعة : محمود عبد الرحيم
يعتبر التعليم بالقدوة أكثر فعالية من التربية المجردة، فإذا أردت تعليم ولدك الشكر فاشكره عندما يقدم لك شيء، وإذا أردت تعليمه الاعتذار
فاعتذر له عندما تخطئ أمامه، وهكذا في كل شيء نريد غرسه في أبناءنا أو طلابنا لاسيما في سنوات العمر المبكرة.
إذ لا تكفي الكلمات والمواعظ لصلاح الإنسان، فلابد للشخص أن يرى تلك الكلمات سلوكا متجسدا في الحياة، لذا عندما وصفت عائشة –رضي
الله عنها- النبي- صلى الله عليه وسلم - فقالت:”كان خلقه القرآن“، إذ تحولت تعاليم القرآن إلى تخلق وسلوك.
وذكرت القدوة في القرآن الكريم باسم "الأسوة الحسنة” وجاء مفهوم “الأسوة الحسنة” في القرآن مرتين، أحدهما يتحدث عن النبي-صلى الله عليه
وسلم- في قوله تعالى :” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وذكر الله كثيرا “(21) من سورة الأحزاب
وفي سياق الحديث عن “إبراهيم” عليه السلام، في قوله تعالى:” قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ”(4) من سورة الممتحنة.
فعندما أراد سيدنا إبراهيم أن يحافظ ابنه على الصلاة دعا الله سبحانه وتعالى قائلاً :
( رب اجـعـلني مقيم الصلاة ومـن ذريـتـي ربنا وتقبل دعاء) [ سورة إبراهيم *الآيه ُ٤٠ ُ]
فمحافظة الابن على الصلاة تأتي من الدعاء مع ملاحظته للأب والأم ويتعرف على أهمية الصلاة فى حياتهم .
وروي أن رجلاً صالحاً اسمه حاتم الأصم، هذا الرجل أراد أن يحج بيت الله الحرام، ويبدو أنه لا يملك ما يكفي للنفقة على عياله،
وتاقت نفسه إلى الحج، فاستأذن أولاده وزوجته فلم يأذنوا له: إلى أين؟ إلى مَن تتركنا؟
إلا أن بنتاً له صالحةً, قالت له: يا أبتِ اذهب فأنت لست برازق، الله يرزقنا، فيبدو أنهم سكتوا، وكأن كلمتها ألقت على قلبه طمأنينةً, فرحل، وذهب إلى بيت الله الحرام حاجاً.
بعد أيامٍ نفد الطعام والشراب، فدخل أولاده وزوجته على هذه البنت الصالحة الطيِّبة ليعنِّفوها: أين الطعام؟ مَن يأتينا بالطعام؟ أنت قلتِ لأبيكِ: اذهب وحج بيت الله الحرام فإنك لست رزَّاقاً، ماذا نفعل؟.
تروي القصة: أن هذه البنت دخلت إلى غرفتها، وتوسلت إلى الله عز وجل أن يرزقها ،
فماذا حدث ...؟
أن أمير المدينة كان في جولة تفقدية، وصل إلى بيت حاتم الأصم, فشعر بعطشٍ شديد، فقال لأحد رجاله: آتوني بكأسٍ من الماء،
طرقوا باب حاتم الأصم, وقالوا: الأمير يطلب كأس ماء، أهل البيت اجتهدوا أن يكون الكأس نظيفاً، والماء بارداً,
هذا الأمير شرب حتى ارتوى، وأذاقه الله أطيب طعمٍ لهذا الماء، فلما انتهى من شربه، قال: بيت مَن هذا ؟. قالوا: بيت حاتم الأصم.
قال: هذا الرجل الصالح؟ قالوا: نعم . فقال: لنسلم عليه. قالوا: هو في الحج. قال: إذاً له علينا حق، وكان معه صرة من ذهب فأعطاهم إياها،
ولم يكتفِ بهذا قال لمَن حوله : من أحبني فليفعل فعلي. فجأة انهالت الدنانير الذهبية على أهل هذا البيت، واغتنوا لعام تقريباً،
دخلوا على هذه البنت الصالحة، فإذا هي تبكي، قالوا لها: ما لكِ تبكين، وقد أغنانا الله عز وجل؟!.
قالت: أبكي لأن إنساناً نظر إلينا فأغنانا، فكيف لو نظر إلينا خالق الأكوان؟
فالأب لم يخشى الفقر على أبناءه وذهب للحج والبنت الصالحة علمت أن الرزق من الله فطلبت من الله واعتمدت عليه .
لكى نربي أبناءنا تربية صالحة لابد أن نراقب أفعالنا ومعتقداتنا فنحن القدوة إن صلحت صلحت الذرية .