نادية(٨).
بقلم منال عبد الرازق
مرت الأيام ثقيلة على نادية تسير بإيقاع رتيب وبطئ وتحولت نظرات حسام إليها لنظرات باهتة لا معنى لها ولا روح وكأنه أصيب بصدمة مزمنة أو كأن نادية كانت فرصته الأخيرة فى عودته للحياة فأماته الواقع.
فكرت كثيراً أن تبحث عن وظيفة أخرى حتى تساعد نفسها وتعينه على النسيان ولكن رغبتها فى البقاء بقربه حتى ولو كانا كالغرباء غلبتها.
فضل:مالك يا حبيبتى ؟
ناديةبإبتسامة باهتة حزينة:مفيش يا حبيبى أنا كويسة أومال إخواتك البنات فين؟
فضل:رجعوا من الجامعة من حوالى ساعة كده بس حضرتك كنت نايمة فإتغدوا ومريحين شوية.
نادية:طيب أعمللك شاى معايا
فضل:أنا هعمل يا ماما حضرتك أقعدى بس كده مستريحة وإتفرجى على التليفزين وأنا هعمل الشاى وأجى نقعد سوا شوية نحكى.
نادية :ماشى حبيبى
عاد فضل حاملاً أكواب الشاى وإتخذ مجلسه بجانب نادية التى لم تشعر حتى بعودته وأخذ يرتشف كوب الشاى وهو يحملق فى أمه بفراسة وذكاء وحب فقد كان يحمل لأمه فى قلبه تقديراً وعرفاناً وحباً لا ينازعها فيه أحد ،يراقبهامنذ صغره وعيناه معلقة بمستقبلٍ ناجح يستطيع معه مساندتها تلك المسئولية التى أرهقت كاهلها .
إعتدل فى جلسته وأصبح فى مواجهتها :ماما
فإنتبهت نادية:نعم حبيبى
ناولها كوب الشاى:شايك برد يا حبيبتى
تناولت منه كوب الشاى وكادت تعود لشرودها لولا أن لاحقها بقوله:ماما أنا جنبك وسندك ما تقلقيش وكفاية إن إنت اللى مربيانى ودى حاجة أنا فخور بيها أوى ،ماما أنا أسف لو هكون كده بتدخل فى حاجة ما ينفعش اتكلم فيها مع حضرتك بس أنا ما أقدرش أشوفك زعلانة ولا أتحمل حزنك وأنا موجود فلو سمحتى ما تزعليش منى فى اللى هقوله .
دق قلب نادية خوفاً مما توقعت أن يتفوه به حسام فنظرت إليه مشجعة له أن يتحدث بما أراد قوله.
فضل:حضرتك تقدرى تعملى اللى يسعدك فى الوقت اللى تختاريه محدش فينا هيقف ضد سعادتك.
نادية :تقصد إيه إنتوا سعادتى.
فضل:أنا مش هينفع أقول أكتر من كده بس حضرتك ضيعتى عمرك كله علشان اللى حواليك وماعشتيش حتى لحظات السعادة الطبيعية اللى من حق أى بنى آدم وده كله إحنا شايفينه وحاسينه من زمان،إحنا كبرنا يا حبيبتى .
نادية وهى تبتلع ريقها بصعوبة ولا تدرى ماذا تقول:أنا برضه مش فاهمة إنت عايز توصل لإيه ،تقوللى إن إنتواكبرتوا يعنى ،ماشى يا سيدى ألف مبروك لو كنت بعرف أزغرط كنت زغرط ،فضل كبر يا ولاد
كانت نادية تحاول أن تختبئ من خجلها أمام فضل بين ضحكاتها ومرحها المزيف فهى تعرف ذكاء وفطنة فضل وحنانه وأدركت ما يرمى إليه ولكنه على قدر عال من الحياء والإحترام لها ولا يستطيع مصارحتهابمرماه.
فضل:أزغرط أنا وأخذ يحاول أن يفعلها بحركات مضحكة تمكنت من سحب ضحكات عالية من القلب لنادية.
نادية:مفيش فايدة محدش بيقدر يضحكنى من قلبى غيرك.
فضل وهو يضمها لصدره:أهم حاجة عندى هى سعادتك يا أمى ويقبل رأسها.
وبدلا من أن يكون موقف فضل مطمئناً لنادية ومحفزاً لها إلا أنه ضاعف تحفظها فكيف تقابل هذا الحب والحنان والتأييد والمسئولية التى يشعر بها تجاهها بالبحث عن حب أخر،كيف تتسبب لفضل الجميل هذا بأية آلام؟
إنشغلت نادية فى هذه الأيام بمتطلبات زواج ليلى وتدبير كل إحتياجاتها وثقل الأمر عليها كثيراً فكانت تذهب لعملها يبدو عليها الإرهاق والإنشغال الشديدان وقد إختارت الصمت فى هذه الفترة وإكتفت بالجدل القائم دوماً على مائدة الحوار بين قلبها وعقلها وسيد وهند فى حيرة من أمرها يرغبان فى مساعدتها ولا يجدا مدخلاً لذلك إلى أن جاء موعد الزفاف فدعت نادية جميع زملائها فى العمل ومنهم حسام.
كانت قطعة من قلب نادية سترحل مع ليلى فى هذا اليوم ،وفى الليلة السابقة قد دعت نادية ليلى لغرفتها لتقضى ليلتها بين قلبها وظلت مستيقظة تنظر إليها ولا تصدق ان تلك الطفلة التى تبدو كملاك ستكون زوجة ومسئولة
عن نفسها فتناقضت مشاعرها كعادة أمرها
وظلت تتحسس شعرها الأسود الحريرى وتقبلها فى وجنتيها وتضمها لصدرها.
كانت تنظر إليها وهى فى طلتها البيضاء بتمنى وفخر ووجل ولسانها لا يتوقف بالدعاء .
سمعت نادية طرقات فرحة على الباب فأدركت أنه محمود جاء ليأخذ ليلى إلى قاعة زفافهما التى صادف أن تكون هى نفس قاعة خطبتهما فدخل إلى غرفة ليلى وما أن رآها حتى بدت على وجهه علامات الإنبهار والإعجاب وتلقاها بين يديه برعاية ورجولة وإحتواء فإرتاحت نادية لذلك المشهد الذى تعيشه قطعة منها لأول مرة وتذكرت حسام فتنهدت.
تفحصت ليلى بيت أبيها بحنان وبكت ثم أغلق الباب.
كانت الأجواء بسيطة وطيبة وودودة كأسرة نادية اللطيفة البسيطة التى كانت تجوب هنا وهناك للترحيب بضيوفها ،وبينما هى تسير فى رقة يخالطها وهن ناضج كجمال الشعيرات البسيطة البيضاء فى الشعر الأسود وفى نفس مكان إعترافها هى وحسام لبعضهما بالحب سمعت صوتا يناديها وكأن به نبرة بكاء
نادية ...فألتفتت ورائها وهى تسمع دقات قلبها بوضوح لتجده أمامها وقد علا وجهه الحب و الرجاء
حسام:تتجوزينى
يتبع....