نادية(٧).
كتبت/ منال عبد الرازق
حسام:عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أدركت نادية على الفور أنه صوت حسام فأعتدلت فى جلستها وسارعت بسؤاله بجدية:خير أستاذ حسام فيه حاجة؟
حسام محاولاً إستيعاب نبرة نادية الحادة :أيوه أستاذة نادية كان فيه حاجة بخصوص الشغل بس أنا أسف نأجلها لما نتقابل فى المكتب بعتذر عن إزعاجك.
نادية:لأ حصل خير بس بعد إذنك أستاذ حسام كل ما يتعلق بالشغل حضرتك ممكن تقولهولى هناك لو سمحت.
تعاظم شعور الكبرياء لدى حسام وهو من يحتفظ دائماً بصمته ووقاره وغموضه فأجابها بهدوء وغلظة:قولت أسف ،عن إذنك.
تعالت شهقات نادية بعدما أغلق حسام المكالمة فهى تعلم أنه لم ولن يستوعب موقفها وهى من إعترفت له بحبها منذ ساعات قليلة فأشفقت عليه وعلى نفسها التى لم يعرف الحب طريقه إليها إلا عندما إلتقت به ولكنها تتحدى الحزن والآلام منذ زواجها من عماد من أجل أولادها ،وحدها كانت تساندهم فى تعثراتهم ونجاحاتهم وحكاياتهم الطفولية الساذجة ومشاكلهم فى جميع نواحى الحياة ،هى الوتد بالنسبة لهم وهى ما تبقى لهم فى دنياهم فكيف تسمح لآخر بمساحة من قلبها الذى وهبته لهم بكت نادية كثيراً على حالها وعلى حسام الذى خذلته بقسوة وهى تعلم أنا وراء صمته هذا قصة حزينة كان على وشك أن يتخطاها معها .
إنتبهت نادية على صوت طرقات خفيفة على باب غرفتها.
نغم:ماما هو حضرتك مش رايحة الشغل الساعة بقت سبعة
نادية:رايحة حبيبتى تعالى
نغم:صباح الخير يا ماما
نادية صباح الورد وفتحت ذراعيها لنغم لتستلقى فى حضنها ولم تتمالك دموعها .
نغم:مالك يا ماما بتعيطى ليه؟
نادية:إنت رايحة الجامعة؟
نغم:أيوه يا ماما
نادية:بتحبيه؟
نغم فى إرتباك وعلامات المفاجأة ظاهرة على وجهها:ما أنا يا ماما قولت لحضرتك هو زميلى وبس ومعجب بأخلاقى.
نادية مداعبة وهى تنظر لخجل نغم الرقيقة بحب:وأخلاقك دى عرفها منين يا جميل من العصفورة!
أنا عارفة إن إنت رقيقة ورومانسية واجمل بنت فى الدنيا واللى هتكونى من نصيبه تبقى أمه داعياله بس أنا عايزاك تحكمى عقلك مع قلبك الحلو ده علشان تحسنى الإختيار وإعرفى إن مش كل حاجة ملفوفة بورق هدايا غالى تبقى هدية لها قيمة .
نغم وهى ترمق أمها بدفئ وإمتنان:حاضر ما تخافيش عليا وتطبع قبلة على جبين أمها وتنصرف.
أخذت نادية فى ترتيب غرفتها وهى تفكر فيما قالته لنغم فهى دائماً وأبداً تشعر حيالها بالقلق والعطف لرقة مشاعرها وضعفها البادى عليها كما أنها أقرب أولادها لشخصيتها وطباعها ولا تحتمل أن يكسر أحدا قلبها.
تنفست نادية بعمق تحمل هماً ثقيلاً ولا تعرف ما إذا كانت ترغب فى الذهاب لعملها ومواجهة حسام أم لا وبعد تفكير طويل وجدت حالها ترتدى ملابسها على عجل وتذهب لعملها.
نادية:صباح الخير
سيد وهند:صباح النور وقد بدا عليهما الإنتباه لمظهر نادية الشاحب وعيناها المتورمتان من البكاء ولكنهما لم يستطيعا السؤال عن سبب بكائها فقد أعطت لديهم إنطباعاً منذ دخولها أنها لا ترغب فى الحديث.
ظلت تترقب مجئ حسام لساعات حتى يئست من قدومه وكاد القلق أن يفتك برأسها فهى تعلم جيداً لما لم يأتى وتعلم جيداً أنها من أعطته الشجاعة ليعترف لها بحبه بهذه السرعة فهى من فضحتها نظراتها فى خطبة ليلى وهى من طلبت منه البقاء رغم إستئذانه فى الرحيل لقد غلبتها مشاعرها تجاهه وتسرعت رغم درايتها بحدسها كأنثى أنه يحبها ولكنه يخشى شيئاًما وأن به من الحزن ما يحتاج لحنان العالم كى يخرجه منه،شعرت بوخز شديد ورفق ورأفة به ،أرادت ان تصرخ فى وجه كل شئ وكل الناس أن تتحدث بصوت عالٍ أن تتألم بصياح وأمام الناس أرادت أن تزفر زفرات طويلة وحارة فى وجوه الناس ،أن تركض فى مكان يحمل هواءاً واسعاً ونقياً وشعرت بالإختناق فغادرت المكان دون كلمة.
عادت لغرفتها وتناولت هاتفها مسرعة تتصل به حتى تتوقف أفكارها وتهدأ ثم توقفت ثانياً مترددة لتعاود التفكير إلى أن ألقت بهاتفها فى عصبية وضيق وغطت رأسها بوسادتها وكأنها تسكت ضوضاء صرخاتها الصامتة.
تكرر غياب حسام لثلاثة أيام كانت نادية تتلهف فيهم لسماع أية حديث عنه من سيد أو هند ولكنهما على ما يبدو قد فطنا الأمر فإختارا عدم ذكر أية شئ يخص حسام ولم يعلما أن قلبها ينادى حسام وينجرف إليه .
فى اليوم الرابع ذهبت لعملها متثاقلة الخطوات يقتلها القلق والخوف ويجرفها الشوق دون رحمة أو روية وما أن دخلت إلى مكتبها حتى وجدته جالساً يمارس عمله فى هدوء وثبات تام ثم رفع رأسه حينما دخلت ناظراً إليها نظرة باهتة بوجه يبدو عليه المرض الشديد ففزعت لمظهره الرث ولم تتمالك نفسها.
نادية:أستاذ حسام حمداً لله على السلامة لعله خير يا رب.
حسام وهو يبتسم إبتسامة مجاملة خفيفة:الله يسلمك ،شكراً، خير الحمد لله ثم عاود إنشغاله.
أرادت أن تختفى، أن تهرب،أن تعتذر له أو تغضب لكرامتها،أن تسأله لما يبدو شاحباً هكذا
كاد قلبها ان ينخلع من رأفتها به وأخذت تحدث نفسها:مش بإيدى يا حسام ،أنا أسفة ،لو عليا أشيل حزنك بدالك قصاد نظرة سعادة واحدة فى عينيك ،أنا محتجالك أكتر منك،وأول مرة أحس إن قلبى عايش وبيتنفس وبيدق وله طلبات ،بس أنا ما أقدرش أدوس على كل حاجة علشان نفسى ،ما إتعودتش أكون أنانية،سامحنى
يتبع....