ismailia, Egypt

23.15°C
Clear Sky
SP_WEATHER_الإثنين
21.08°C / 38.55°C
SP_WEATHER_الثلاثاء
21.14°C / 40.29°C
SP_WEATHER_الأربعاء
20.64°C / 39.56°C
SP_WEATHER_الخميس
22.41°C / 40.7°C
SP_WEATHER_الجمعة
22.61°C / 40.13°C
SP_WEATHER_السبت
22.06°C / 38.72°C
SP_WEATHER_الأحد
21.18°C / 39.4°C

نادية(٣)

نادية(٣)

نادية(٣)

بقلم : منال عبد الرازق


لم تصرخ نادية ولم تبدى أية رد فعل وظلت على حالتها لم تتحرك من فراشها ولو حاولت ما أستطاعت ثم إنهمرت عيناها بدموع مكتومة لكى لا تفزع أولادها وأخذت تردد عماد عماد يا عمرى يا حبيبى عماااااااد وهى لا تقوى على كل تلك المشاعر المتضاربة التى أصابتها جرعة واحدة ،أليس هذا الرجل من حطم كل آمالها وطموحاتها حتى تربى أولاده وتعد له طعاماً جيداً،أليس هو من طالما تمنت رحيله حتى تستطيع الحياة!
ألم يكن عماد هذا من يتركها فى أحلك لياليها سواداً.
هوت جميع الذكريات على رأسها جرعة واحدة ونظرت حولها تبحث عنه وتناديه دون جدوى ثم تنبهت لهاتفها عندما سمعت صوت الرجل على الجانب الآخر ألو ألو ألو يا أستاذة
نادية:نعم
....:يا ريت حد بس ييجى يستلم الجثة ويعمل الإجراءات.
نادية:جثة ..عماد بقى جثة وعلمت منه مكان عماد وأغلقت المكالمة.
إنتهت أيام العزاء ثقيلة وبطيئة ونادية لا تفيق من ذهولها ولا تعبأ بكلمات المواساة والمؤازرة ولا بكاء من حولها كانت شاردة طوال الوقت تعى درساً جديدا قررت الحياة أن تثقل عليها به بفقدان عماد وشعرت أنها تتعلم من الدنيا مفاهيم مختلفة تماماً عن تركيبتها البسيطة المسالمة كانت تنظر فى وجهة واحدة وكأنها تسترجع كل الماضى وتستحضر الحاضر وتتسائل عن المستقبل والحقيقة الواحدة التى كانت راسخة فى رأسها طوال تلك الأيام أن كل من يرحل يصبح أجمل ولو عاد عماد لكان الآن فى نظرها أجمل رجال الدنيا.
بدأت الحياة تعود للروتين اليومى ولكن دون عماد وبأولادها وكل ما كانت تتمناه فى تلك الأيام أن يتوقف الزمن قليلاً لتحصل على مصدر للإنفاق على اولادها فقد عاش عماد ورحل وهو من محدودى الدخل ولم يكن لديهم أبداً فائضاً من المال .
لم يعطيها الوقت الوقت تلك الفرصة ولا حتى مساحة لتسترجع ذكرياتها مع زوجها وتتفقد مكانه هنا وهناك ولا لتذكر ملامحه ولا لتهيؤاتها لصوته يناديها وهو فى غرفة أخرى.
أصبح المكان الوحيد الذى ترتاده بعد المشقة والسعى ومطالب الأبناء هو قبره،تجلس أمامه وتستعطفه أن يعود ليحمل معها هذا العبء الثقيل وتتحسس مدفنه فى عطف وإشفاق وكأنها تواسيه على تعبه وشقائه من أجل راحتهم وتتحدث معه فى جميع امورها هى وأولاده ثم تتوقف عن البكاء وتعتدل فى جلستها كإمرأة مسنة تحكى حكايات للأحفاد...
(عارف يا عماد إمبارح بعد ما أتغدينا وأنا بغسل الأطباق لقيتك داخل بتقوللى خلصتى بصيتلك وضحكت وما إتضايقتش إنك بتستعجلنى علشان الشاى زى كل مرة وما قولتلكش ما تقول إنك عايز تشرب شاى وقولتلك وأنا هموت من الضحك هعمله هعمله ما تقلقش وشربناه سوا وفضلت أحكيلك عن اللى البت نجلاء عملته مع جوزها الغلبان وعن جيراننا الجداد وذوقهم وطيبتهم وعن مشاكل الولادوإنت طبعاً ساكت كعادتك بس أنا ما زعلتش ما زعلتش يا عماد والله ما زعلت طيب إرجع كده وخليك ساكت وأنا مش هزعل ثم تعالت شهقاتها حتى إلتفت إليها جميع من حولها فى محاولة لتهدئتها وهى لا تعى ما يحدث فقد كانت روحها معلقة بعماد الساكن بين التراب.
****
إرتدت ملابسها الأنيقة البسيطة فقد كان هذا هو اليوم الأول لإلتحاقها بوظيفة فى إحدى الشركات المرموقة وقد ساعدها إحدى أقاربها فى الحصول على هذه الوظيفة لما له من علاقات متعددة وشخصية تنفذ للقلوب،
دخلت إلى مكتب شئون العاملين بالشركة وألقت التحية وسألت فين أستاذ سيد لو سمحتى متجهة ببصرها إلى السيدة الوحيدة فى المكان فناداها إحدى الجالسين من وراء مكتبه أيوه إتفضلى أنا أستاذ سيد تحت أمرك.
نادية:أنا اللى أستاذ محمد كلم حضرتك عنى
سيد:آه أهلاً وسهلاً يا بنتى نورتى تشربى إيه؟
نادية:لا والله ألف شكر
سيد بلطف ومودة حقيقيين:لأ طبعاً لازم تشربى حاجة على الأقل علشان تهدى كده وتا خدى على المكان ويروح التوتر اللى أنا شايفه ده ،إنت قلقانة ليه الناس هنا طيبين ما تقلقيش والكل هيساعدك إنك تفهمى الشغل واللى هيقف قدامك هتلاقى الكل بيتسابق علشان يعملهولك إحنا هنا أهل مش زمايل شغل وتأكدى إن أستاذ محمد مش هيحطك إلا فى المكان اللى يليق بيك.
كان يتحدث بصوت هادئ غير مسموع إلا لها حتى لا تشعر بالحرج فقد أدرك فور النظرة الأولى أنها على قدر عالٍ من الحياء كما لمح منها تلك النظرة الشاردة المهمومة التى ملأت عيناها..
كانت تحدث نفسها كيف إستقر الحال بها هكذا بعيداً عن أحلامها،كيف ستحاكى هذا المكان وتخلق علاقة معه لتحبه،وكيف ستتحمل الغوص فى كل تلك الأوراق والدفاتر.
لو أخبرها أحداً منذ سنوات أنها ستستقر فى عمل كهذا لأتهمته بالجنون فهى حالمة وهى تمشى على الأرض تستيقظ على منام لتحياه فى نهارها ،تتأمل كل الأشياء والمخلوقات والناس والأطفال والسماء والبحر فى رجاء أن تنتظرها قليلاً حتى تهبها الحياة فرصة أخرى للتمتع معها.
إنتظرت من عماد إتصالاً يسألها(إيه الأخبار؟)ونظرت إلى هاتفها فى شوق وتمنى ،كانت خائفة كطفلة وتحتاج للأمان...
تخلصت من حيائها فجأة مع أستاذ سيد ونظرت إليه نظرة ملؤها الإستعطاف وقد كان على ما يبدو يكبرها بأعوام كثيرة فرأته على مشارف سن المعاش وتركت دموعها تتعامل مع الأمر.
نادية:أستاذ سيد أنا خايفة.
رفع أستاذ سيد وجهه الطيب عن أوراقه بحركة سريعة ونظر إليها بإستغراب ودهشة سرعان ما نجح فى تحويلهما لإحتواء أبوى بالغ ثم إبتسم بتأييد وعطف قائلاً:ما أنا عارف ما هو مفيش حد يشوف الخلق دى على الصبح وما يخافش وملأ المكان ضحكاً فضحك كل من به وفى لحظات كان الجميع يتحدث ويلقى بكلمات فكاهية جعلت نادية تنخرط معهم ولم تستطيع التوقف...
يتبع..

جـــريدة القنــــاة وسينـــــاء 

جريدة متخصصة في أخبار سيناء ومدن القناة

يسعـــدنا تواصلكم معنا على الأرقام التــالية

01000000000- 01000000000

جميع المقالات تدل على رأي وتحت مسئولية كاتبيها ولا تقع أي مسئولية على الجريدة