اجمد ... خليك راجل !!
بقلم : احمد زيدان
لقد مللت من سماع تلك الجملة العقيمة التي لا معني لها و لا جدوي منها و التي لا تقال دائما الا في الشدائد و تقال كي لا تترك للشخص فرصة و لو ضئيلة ان يعبر فيها عما يختلج في صدره من آلام و مشاعر و أحاسيس. فليس من حقي كرجل ان أظهر في موقف اكون فيه ضعيف أو منكسر و إلا اكون بذلك قد اهنت ذاتي و قللت من رجولتي . اتذكر جيدا المرة الأولي التي سمعت فيها تلك العبارة .نعم اتذكرها جيدا . انها ليلة فقدي لأبي .. لحظة وفاته . كنت حينها طفلا صغيرا لا استطيع ادراك ما يحدث حولي اناس كثيرون و بكاء و نحيب و حركة كثيرة و أصوات و وجوه لم أراها من قبل و لكن جميعهم اتفقوا علي شيء واحد و كلمة واحدة تدرون ما هي " اجمد .. خليك راجل " لم يتركوني ابكي ، اصرخ ، ارتمي في حضن ابي و علي جسده ، لا اريد شيء آخر . اريد ان المس جسده ، و احتمي به منهم ، لكن لم يتركوني افعل ، لم يتركوا الطفل يبكي ، يصرخ ، لم يسمعوا اناته، و لم يشعروا بآلامه، فهذا الطفل أصبح رجلا في لحظة ،و أصبح مسؤولا . أصبح عجوزا ..بل أصبح كهلا . أصبح هذا الطفل مسؤول عن دفن أباه و مواراة جسده التراب و العودة للوقوف لتقبل واجب العزاء و لم ينتبه الجميع أن هذا الطفل و بعد انصراف الجميع أغلق باب غرفته و ارتمي علي فراش ابيه و اخذ في الصراخ و البكاء و لكن بصوت خافت حتي لا يلاحظ احد انه عاد طفلا من جديد حتي طلع النهار و اجتمع الناس من جديد .
هذا الطفل لم يعد طفلا . هذا الطفل لم يعد .......