متابعة : محمود عبد الرحيم
يحكى عن أحد المدرسين الذي ينتمي لجيل الخمسينيات في عدن قصة حقيقية عن الأثر الذي يتركه الأنسان من بعده .
فقال : أوقفتني دورية لمرور في إحدى شوارع عدن عام 1983 وعلى ما أذكر أنه كان في شارع أروى كريتر .
وبادرني ضابط المرور بطلب الرخصة وأوراق السيارة وهو يتفحص وجهي من وراء عدساته الشمسية المعتمة .
فسلمتهكل ما طلب من وثائق ليبادرني بلهجة هادئة وحازمة
لقد كنت مسرع يا أستاذ
قلت نعم للأسف
قال هذه مخالفة
قلت نعم أعترف أني أخطأت وأستحق المخالفة
بدأ الضابط بتدوين قسيمة المخالفة وقال لي أنت أستاذ ومعلم تربوي قلت نعم
قال إذا غش طالب في الامتحان هل تسامحه ؟
قلت لا
قال إذا ماذا تفعل ؟
قلت أطبق عليه القانون
فناولني ورقة المخالفة وهو يضحك قال هل يمكن أن تنزل من السيارة ؟
وبتردد واستغراب نزلت فقام باحتضاني فجأة ويقبل رأسي كنت مندهشًا مما يحدث
فقال أنا الطالب فلان الذي درست عندك أتذكر حين غشيت من ابنك في الامتحان فعاقبتنا حينها وسحبت ورقتي وورقته ومنحتنا صفرًا وطبقت القانون علي وعلى ابنك
منذ ذلك اليوم عرفت أن القانون وضع ليطبق على الجميع ولا يستثنى منه أحد ولو كان ابنك
واستكمل الضابط قائلًا يومها بكيت احترامًا لك وحزنًا إنك طبقت القانون على ابنك دون مجاملة فجعلتك مثلي الأعلى
واليوم استاذي أطبق القانون عليك ولا استثني أحد لو كان ابني .
يقول المعلم في قصته انه لم يتحكم في دموعه فرحًا بهذا الضابط الذي كان أحد طلابه
وعرف الأثر الذي تركه في نفوس طلابه
وكان الضابط يناضل من أجل أن لا تسيل دموعه حفاظًا على هيبته بالزي العسكري الذي يرتديه
فأخرج المعلم مبلغ من المال ولكن الضابط رفض أن يدفع المخالفة وقال له هذه هديتي لك يا معلمي ويا قدوتي سأدفعها أنا
فأصرت لكنه رفض بشدة وقال لي أدامك الله تاجًا فوق رؤوسنا وسانده زميله الذي شهد الموقف بتأثر
غاادرت المكان وقد سرت بين أضلعي سكينة عجيبة وسعادة غامرة ودموع فخر أنه تخرج من تحت يدي جيل لا يخون وظيفته ولا وطنه.
تلك هي ثروة المعلم والمربي إذا غرسها في طلابه صلح المجتمع وصلح الوطن .